AMI

الفرق بين الاختلاس وسوء التسيير بقلم: محمد فال ولد عبد اللطيف

نبه علماؤنا- رحمهم الله- على بعض من الأمور يتعين على الشخص أن يدرك الفروق بينها لتشابهها في الظاهر وتباينها في الحقائق، وعدوا منها الفرق بين الورع والتنطع وبين الكبر وشرف النفس وبين الاحتراس من الناس وسوء الظن بهم، وبين التوكل على الله والاتكالية وبين التهور والشجاعة.
كما ألف شهاب الدين أحمد بن إدريس الفارابي كتابا قيما بين فيه الفروق بين بعض القواعد الفقهية التي يخفى وجود الفارق فيها على غير العالم الفقيه النفس المتضلع من الشريعة الخبير بمقاصد الشريعة.
وما ضر لو نحا علماء المالية وعلماء التسيير نحو سلفنا المذكورين فبينوا فروقا بين بعض الحقائق المالية والتسييرية التي تلبس على ذهن العامي أو حتى المتخصص غير المتمرس ممن لم تحككه التجارب ولم يعركوا الحياة المهنية ولم يعرفوا قبيل الإدارة من دبيرها.
من هذه المفاهيم التي يجب تبيين الفرق بينها مفهوم اختلاس الأموال العمومية فإنه يلتبس في أذهان كثير من الناس بمفهوم سوء التسيير مع أنهما يدلان على حقيقتين متغايرتين وإن كانتا تربطهما أواصر عضوية ورحِمٌ ماسَّةٌ.
فاختلاس الأموال العمومية هو عبارة عن إدخال الموظف العمومي قسطا من أموال الأمة التي اؤتمن عليها في جيبه على أنها ملك له كأنما ورثه عن أبيه عن جده..
ويجري مجرى الأموال في هذا الباب المنافع والخدمات فأيما موظف استفاد من شيء منها دون مقابل أذن به القانون فهو مختلس للأموال العمومية.
والطريقة التقليدية المتبعة في اختلاس الأموال العمومية هي اعتماد الفواتير الوهمية والعمليات المسماة في عرف المحاسبين “بالعمليات الكيمياوية” التي تحيل البنزين أرزا والأوراق والأقلام كباشا للذبح، وكان قدماء أهل الإدارة في بلادنا هذه يقترفون شيئا من هذا القبيل الفينة بعد الفينة وهم منه على وجل حتى تمر عليه السنة والسنتان، فخلف من بعدهم خلف مارسوه جهارا نهارا كبارا وصغارا فضحوا بالعور والعرج فلم يضرهم ذلك، فاستحالت في عهدهم تلك البدعة سنة حتى أنها لو غيرت لقيل غيرت سنة.
أما ندل الممتلكات العمومية دون أن تكون هنالك وثائق تبريرية أيا كانت درجتها، فلا أظن أن أحدا ممن له عقل يتعاطاه أو تبلغ الوقاحة بأي جبار عنيد أن يرتكبه.
وأما سوء التسيير فهو ارتكاب كل تصرف مالي أو إداري لا يضمن الاستغلال الأمثل للموارد العمومية أو يفرط في حفظهما، وغالبا ما يكون هذا التصرف فيه انتهاك لنص تشريعي أو تنظيمي.
وقد نص القانون على بعض التصرفات التي تعتبر من أعمال سوء التسيير كتجاوز الاعتمادات المرصودة والاحتيال لتحاشي إبرام الصفقات العمومية، وكاختيار المورد الأكثر كلفة في حالة تساوي نوعيات التوريدات وكاقتناء معدات رديئة بحجة رخص ثمنها…
كل هذه التصرفات تعتبر من سوء التسيير ما دامت ليس فيها ما يدل على أن فضة الدولة دخلت جيب الموظف الخاص وقد تسفر التحقيقات فيها على أنها صبت في ذلك المصب، وهنالك تكيف على أنها اختلاس للأموال العمومية وهذه هي أواصر القربى التي أشرنا إلى أنها تجمع بين سوء التسيير والاختلاس.
هذا هو الفرق بين هاذين المفهومين وهناك فرق آخر وهو أن الاختلاس يدخل تحت طائلة القانون الجزائي بينما سوء التسيير يدخل تحت طائلة التأديب المالي الذي هو من صلاحيات محكمة الحسابات.
قال بعض الظرفاء: الاختلاس كالكفر البواح فهو ذنب لا يغفر وأما سوء التسيير فهو كالذنوب منها الكبائر والصغائر ومذهب أهل السنة أن غفران الكبائر تابع للمشيئة الإلهية وأن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر وأن لا صغير مع الإصرار وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة. ولولا ضيق المقام لبينا لك هنا لائحة الكبائر الموبقات في المجال التسييري التي كادت أن تلحق بالاختلاس الذي هو الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا موضوع في التذكير به حِسبةٌ إن شاء الله.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد