AMI

الحضور المعرفي لدلالات النهضـــة…

بقلم: د. مـحمـد يـحي ولد باباه
y.babah@yahoo.frE-mail:
لعل ما سيفاجئ القارئ لهذه السطور القليلة حول المدلول الشمولي للنهضة، إعراضنا في البداية عن الغوص عبر حفريات تجريدية في الفضاء النظري المركب لما يحيل إليه مفهوم النهضة من مشتقات معرفية وانتروبولوجية عامة، فما يهمنا بالأساس هو إبراز تجليات المعنى الشامل للنهضة، باعتبارها كما كبيرا من المظاهر الايجابية المتعددة في الطبيعة ومجال التحقق، أنتجها حراك معرفي ومجتمعي عام يسعى إلى بعث لقدرات الذات وتعميق الإحساس بالهوية والمقومات الحضارية، وتجسيد الآثار المعرفية لذلك الحراك داخل مختلف أوجه الحياة.
ولما كان الفعل النهضوي بمعناه الكلي متعلقا بالفعل المعرفي، فمن الأهمية بمكان، أن نشير هنا إلى أن أبرز أدوات النهضة الشاملة يتمثل في المعرفة، فلا نهضة للكائن الإنساني، فردا كان أو جماعة، بدون المعرفة، إذ هي محدد من محددات الإنسانية، وكلما انخفضت المعرفة انخفضت درجة سير الكائن البشري إلى الارتقاء إلى قمم التقدم.
وإذا كانت النهضة أو الاستنارة الواعية، هي حصولنا على القدرة الضرورية للخروج من حالة القصور إلى حالة الوعي بالذات والانطلاق في ترتيب آليات البناء بمعناه الشامل، فإننا مدعوين أكثر من أي وقت مضى إلى إدراك واستيعاب ما ترسمه ريشة المشهد الموريتاني اليوم داخل مختلف الميادين من إجراءات تهيئ لصناعة الشروط العامة للنهضة الشاملة، لكن علينا أن نطرح بعض الأسئلة المشروعة حول هذه الإجراءات وواقع حراكها الشامل، فهل نحن فعلا أمام حضور معرفي واعد ينبئ بملامح بارزة لنهضة شاملة؟ وهل لحراكنا الثقافي والتنموي عموما من انعكاس مباشر على آليات وعينا؟ أم أننا مجزئين بين من يمارس فعل النهضة الواعية بكل الشروط الوطنية المطلوبة، ومن يتفرج منتظرا ما تدره عليه تلك الجهود دون المساهمة المطلوبة في هذا الاتجاه؟
مما لا شك فيه أنه من قراءة سريعة لبعض آثار الحراك التنموي العام، تتأكد بوادر نهضة شاملة في واقع حياتنا الوطنية، وذلك ما يؤسس بطبيعة الحال الثقة والأمل في الحاضر والمستقبل، إلا أن نتائج الفعل النهضوي الماثل، سيبقى مشروطا لا محالة بأمور كثيرة من بينها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ تفعيل الإدراك الموضوعي الإيجابي الدائم لدينا، لمظاهر النهضة الشاملة في واقعنا الوطني بأبعاده المختلفة، بعيدا عن الخلفيات المثقلة بسلبيات ماضينا القريب، وبعيدا كذلك عن هيمنة قوالب وممارسات النقد من أجل النقد المبنية على خلفيات مضللة.
ـ المساهمة في الفعل النهضوي بالآليات الصحيحة النابعة من قيم المواطنة السليمة، وذلك بالنسبة لقادة الرأي والنخبة وباقي مكونات ساحة الفاعلين الوطنيين.
ـ تعميق الوعي بضرورة امتلاك نظام تربوي قادر على صناعة جيل واع يتمتع بالآليات الضرورية لتجسيد مضامين التنمية على كافة الأصعدة، وهو الأمر الذي فتح رعاة شأننا العام الباب على مصراعية للدخول في تأمل شامل حول أفضل السبل لترجمته على أرض الواقع، حيث أصبحنا نعيش بالفعل حضورا جليا لتقاسيمه المنعشة للذات والوجدان انطلاقا من مواصلة تحرير الكلمة من أسرها وتجسيد قيم ثقافة الحوار ومواصلة الجهود الحثيثة إلى الرفع من أبعاد واقعنا بشكل شمولي.
تلك ثلاثة نماذج تعكس لا محالة أبرز معالم الحراك النهضوي الضروري العام لمسيرتنا التنموية، وهي صور تعزز الثقة والأمل في المسار المستقبلي، إذا ما وضعت في أعلى السلم الدرجي للأولويات، وهي بحق ما ينبغي أن نسعى إلى تضافر جهود كافة الفاعلين لتحصيل أكبر مساحة ممكنة لتقاطع الذوات حولها.
ذلك ما يتقدم كحضور معرفي لمدلول النهضة لكن على مستويين، أولهما ما يدرك ماثلا في الواقع اليوم من حراك في هذا الاتجاه، وثانيهما، ما أشرنا إليه من محتوى معرفي عام يستدعي تحريك الفعل التنموي إليه والانطلاق منه كثوابت لا يمكن تجاوزها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد