AMI

وضع حجر الأساس لدولة الحوار

بقلم/ المختار السالم:
elmoctar@gmail.com

أخشى أن يكون “الشيء الذي قل ما يفعله السياسيون هو الصواب”، خاصة إذا كانت الظروف تغري كثيرا بالالتفاف والمناورة على “مفردات النبل” بغية الوصول إلى “إملاء الشروط” وتحقيق “الهدف الآني” في مرمى الخصم.
نحن هنا في موريتانيا لا نتفق على مفهوم “الثورة” ولا على شكلها أحرى مضمونها، بل الأدهى أننا لا نتفق على زمنها، ففريق منا يرى أننا من “فطر” الثورة قبل سنين، وسن سنة “رحيل الأنظمة طويلة الأمد”، وفريق منا يرى أن “الثورة” هي العاصفة الوحيدة التي لم تمر بصحرائنا، وبالتالي من الضروري أن نصنع “ثورة” مهما كان شكلها ومضمونها فنحاكي ما يجري في الدول الأخرى… ولتكن تلك الثورة بأي رائحة جاءت.
ومعنى ذلك أن لا “معنى” لكل كرنفال الانتخابات الذي ضرب خيمتنا ذات صباح وذات مساء، لا معنى لما أنفقناه من وقت ومال في حفلاتنا الانتخابية، ومعاركنا للفوز في كل المنازلات التي خضناها لنربط نسبنا الانتخابي بـ”السقوف اليتيمة”.
يحلو للمعارضة الموريتانية القول إنه أصبح لدينا “شباب ثائر”، و”بلطجية”، و”قمع” و”خريف ثورة” أو “ثورة خريف”، وأطنان من “الكلام” عن الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وعجز الحكومة.. وكل أغاني “الساعة الخامسة والعشرين” بتوقيت “البرزخ الأبيض المتوسط”.
ويحلو للموالين القول إنهم سوف يسدون منافذ “الطمع الوراثي” لدى معارضة تعودت الابتزاز كلما نكلت بها أصوات الشعب الفقير، إنها، بحسبهم، تلك المعارضة التي استمرأت المطالبة بحصة مما تخسره في كل انتخابات ذهبت إليها “راضية مرضية” بإذن الله.
كل شيء أصبح لدينا، أو كل شيء كان لدينا على الأصح، ولكن لم يكن ممكنا تبيّـن “أي شيء”، فنحن منذ “سنين عدة” نعكف على تفصيل السيناريوهات، وتشبيك “عقدة” الأمر الواقع من أجل إحياء أسطورة “سيزيف”، سيد العناء والشقاء.
ماذا لو كان لكل فريق جانب من الصواب، بعض الحقيقة… عندها يلزم فك طلاسم الخوف وجمع قطع “الأحجية” لتتحول ساحتنا إلى “ميدان حوار” لا يدخل إليه ولا يخرج منه إلا الرابحون.
أتصور أن دقات أجراس الإنذار لم تعد تخيف أي طرف، أتصور أن الجميع تعودوا عليها، ولم تعد تعكر صفوهم، بل أخشى أنها أصبحت جزءا من المزاج الوطني العام.. نهدد ونتوعد، نرعد ونزبد.. ثم ننسى أننا “نحن” بكل ما في الصيغة “المحلية” من معنى.
ما هو المطلوب حتى لا نصنع نسخا كربونية من ذواتنا؟
الجميع يجيب اليوم قائلا إن المطلوب هو الحوار، وما ندم من حاور.. هذه حقيقة.. لم لا ندخل في حوار سياسي واجتماعي ونقابي وشبابي يستمر حتى ما شاء الله.. ما الذي نخافه في ظل الحوار..!
إن تاريخ الدولة الموريتانية – للأسف – غير حافل بالحوار بين النظام والمعارضة، بل هو حافل حد الجنون بالقطيعة والصدام.
ما يصبو إليه العديد من الموريتانيين اليوم هو وضع حجر الأساس لدولة الحوار لتعزيز دولة الديمقراطية، ليس من أجل تجنب كل ما أمكن من مطبات فحسب، بل من أجل تعزيز آلية البناء وجمع التصورات والأفكار المهمة عن أفضل السبل لتسيير الشأن العام.
أخيرا.. إذا كانت الديمقراطية تضمن حق الاختلاف، فهي حتما تكفل حق الحوار.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد